سورة التوبة - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{والسابقون الأولون} يعني: الذين شهدوا بدراً {من المهاجرين والأنصار} يعني: الذين آمنوا منهم قبل قدوم الرَّسول عليهم، فهؤلاء السُّبَّاق من الفريقين. وقيل: أراد كلَّ مَنْ أدركه من أصحابه، فإنَّهم كلَّهم سبقوا هذه الأمَّة بصحبة النَّبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته {والذين اتبعوهم بإحسان} يعين: ومن اتَّبعهم على منهاجهم إلى يوم القيامة ممَّن يُحسن القول فيهم.
{وممن حولكم من الأعراب منافقون} يعني: مزينة وجهينة وغفاراً {ومن أهل المدينة} الأوس والخزرج {مردوا على النفاق} لجُّوا فيه، وأبوا غيره {سنعذبهم مرتين} بالأمراض والمصائب في الدُّنيا، وعذاب القبر {ثم يردون إلى عذاب عظيم} وهو الخلود في النَّار.
{وآخرون اعترفوا بذنوبهم} في التَّخلُّف عن الغزو {خلصوا عملاً صالحاً} وهو جهادهم مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم قبل هذا {وآخر سيئاً} تقاعدهم عن هذه الغزوة {عسى الله} واجبٌ من الله {أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم} ثمَّ تاب على هؤلاء وعذرهم، فقالوا: يا رسول الله، هذه أموالنا التي خلَّفتنا عنك فخذها منَّا صدقةً وطهِّرنا، واستغفر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أُمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً.


{خذ من أموالهم صدقة} فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث أموالهم، وكانت كفَّارةً للذُّنوب التي أصابوها، وهو قوله: {تطهرهم} يعني: هذه الصَّدقة تطهِّرهم من الذُّنوب {وتزكيهم بها} أَيْ: ترفعهم أنت يا محمَّدُ بهذه الصَّدقة من منازل المنافقين {وصل عليهم} ادع لهم {إنَّ صلاتك سكن لهم} إنَّ دعواتك ممَّا تسكن نفوسهم إليه بأن قد تاب الله عليهم {والله سميع} لقولهم {عليم} بندامتهم، فلمَّا نزلت توبة هؤلاء قال الذين لم يتوبوا من المتخلِّفين: هؤلاء كانوا بالأمس معنا لا يُكلَّمون ولا يُجالسون، فما لهم؟ وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا رجع إلى المدينة نهى المؤمنين عن مكالمة المنافقين ومجالستهم، فأنزل الله سبحانه: {ألم يعلموا أنَّ الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات} يقبلها {وأنَّ الله هو التواب الرحيم} يرجع على مَنْ يرجع إليه بالرَّحمة والمغفرة.
{وقل اعملوا} يا معشر عبادي، المحسن والمسيء {فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} أَيْ: إنَّ الله يُطلعهم على ما في قلوب إخوانهم من الخير والشَّرِّ، فيحبُّوب المحسن ويبغضون المسيء بإيقاع الله ذلك في قلوبهم، وباقي الآية سبق تفسيره.
{وآخرون مرجون لأمر الله} مُؤخَّرون ليقضي الله فيهم ما هو قاضٍ، وهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، كانوا تخلَّفوا من غير عذر، ثمَّ لم يبالغوا في الاعتذار، كما فعل أولئك الذين تصدَّقوا بأموالهم، فوقف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أمرهم، وهم مهجورون حتَّى نزل قوله: {وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا...} الآيات. {إمَّا يعذبهم} بعقابه جزاءً لهم {وإمَّا يتوب عليهم} بفضله {والله عليم} بما يؤول إليه حالهم {حكيم} فيما يفعله بهم.
{والذين اتخذوا} ومنهم الذين اتَّخذوا مسجداً، وكانوا اثني عشر رجلاً من المنافقين، بنوا مسجداً يضارُّون به مسجد قباء، وهو قوله: {ضراراً وكفراً} بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وما جاء به {وتفريقاً بين المؤمنين} يفرِّقون به جماعتهم، لأنَّهم كانوا يصلُّون جميعاً في مسجد قباء، فبنوا مسجد الضِّرار ليصلِّي فيه بعضهم، فيختلفوا بسبب ذلك {وإرصاداً} وانتظاراً {لمن حارب الله ورسوله من قبل} يعني: أبا عامرٍ الرَّاهب، كان قد خرج إلى الشَّام ليأتي بجندٍ يحارب بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسل إلى المنافقين أن ابنوا لي مسجداً {وليحلفنَّ إن أردنا} ببنائه {إلاَّ} الفعلة {الحسنى} وهي الرِّفق بالمسلمين، والتَّوسعة عليهم، فلمَّا بنوا ذلك المسجد سألوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فيصلِّي بهم في ذلك المسجد، فنهاه الله عزَّ وجلَّ.


{لا تقم فيه أبداً لمسجدٌ أسس على التقوى} بُنيت جُدُره، ورُفعت قواعده على طاعة الله تعالى {من أول يوم} بُني وحَدث بناؤه، وهو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو مسجد قباء {أحقُّ أن تقوم فيه} للصَّلاة {فيه رجال} يعني: الأنصار {يحبون أن يتطهروا} يعني: غسل الأدبار بالماء، وكان من عادتهم في الاستنجاء استعمال الماء بعد الحجر {والله يحب المطهرين} من الشِّرك والنِّفاق.
{أفمن أسس بنيانه} أَيْ: بناءه الذي بناه {على تقوى من الله} مخافة الله، ورجاء ثوابه، وطلب مرضاته {خيرٌ أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار} على حرف مهواةٍ {فانهار به} أُوقع بنيانه {في نار جهنم} وهذا مَثَل. والمعنى: إنَّ بناء هذا المسجد كبناءٍ على حرفِ جهنَّم يتهوَّر بأهله فيها، لأنَّه معصيةٌ وفعلٌ لما كرهه الله من الضِّرار.
{لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبه في قلوبهم} شكَّاً في قلوبهم {إلاَّ أن تقطَّع قلوبهم} بالموت، والمعنى: لا يزالون في شكٍّ منه إلى الموت، يحسبون أنَّهم كانوا في بنائه محسنين {والله عليم} بخلقه {حكيم} فيما جعل لكلِّ أحدٍ.
{إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم...} الآية. نزلت في بيعة العقبة، «لمَّا بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأن يمنعوه ممَّا يمنعون أنفسهم. قالوا: فإذا فعلنا ذلك يا رسول الله، فماذا لنا؟ قال: الجنَّة. قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل»، فنزلت هذه الآية ومعنى: {اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنة} أنَّ المؤمن إذا قاتل في سبيل الله حتى يُقتل، وأنفق ماله في سبيل الله أخذ من الله الجنَّة في الآخرة جزاءً لما فعل، وقوله: {وعداً} أَيْ: وعدهم اللَّهُ الجنَّة وعداً {عليه حقاً} لا خلف فيه {في التوراة والإِنجيل والقرآن} أَيْ: إنَّ الله بيَّن في الكتابين أنَّه اشترى من أمة محمَّدٍ أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنَّة، كما بيَّن في القرآن {ومَنْ أوفى بعهده من الله} أَيْ: لا أحدٌ أوفى بما وعد من الله، ثمًّ مدحهم فقال: {التائبون} أَيْ: هم التَّائبون من الشِّرك {العابدون} يرون عبادة الله واجبةً عليهم {الحامدون} الله على كلِّ حال {السائحون} الصًّائمون {الراكعون الساجدون} في الفرائض {الآمرون بالمعروف} بالإِيمان بالله وفرائضه وحدوده {والناهون عن المنكر} الشِّرك وترك فرائض الله {والحافظون لحدود الله} العاملون بما افترض الله عليهم.
{ما كان للنبيِّ...} الآية. نزلت في استغفار النبيِّ عليه السَّلام لعمِّه أبي طالب، وأبيه، وأُمِّه، واستغفار المسلمين لآبائهم المشركين، نُهوا عن ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «لأستغفرنَّ لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه»، فبيَّن الله سبحانه كيف كان ذلك.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11